فصل: ثانيًا: الأدلة من السنة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: حراسة الفضيلة **


 ثانيًا‏:‏ الأدلة من السنة‏

تنوعت الأدلة من السنة المطهرة من وجوه متعددة بأحاديث متكاثرة بالتصريح بستر الوجه وتغطيته تارة، وبالتصريح عدم الخروج إلا بالجلباب ‏(‏العباءة‏)‏ تارة، وبالأمر بستر القدمين وإرخاء الثوب من أجل سترهما تارة، وبأن المرأة عورة والعورة واجب سترها تارة، وبتحريم الخلوة والدخول على النساء تارة، وبالرخصة للخاطب في النظر إلى مخطوبته تارة، وهكذا من وجوه السنن التي تحمي نساء المؤمنين وتحرسهن في حالٍ من العفة والحياء، والغيرة والاحتشام‏.‏

وهذا سياق جملة من الهدي النبوي في ذلك ‏:‏

1ـ عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت‏:‏ كان الركبان يمرون بنا ونحن مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ محرمات، فإذا حاذَوا بنا سَدَلت إحدانا جلبابها من رأسها على وجهها، فإذا جاوزونا كشفناه ‏.‏

رواه أحمد، وأبو داود، وابن ماجة، والدارقطني، والبيهقي ‏.‏

هذا بيان من عائشة ـ رضي الله عنها ـ عن النساء الصحابيات المحرمات مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن واجبين تعارضًا، واجب تغطية الوجه على المؤمنة، وواجب كشفه على المحرمة، فإذا كانت المحرمة بحضرة رجال أجانب أعملت الأصل وهو فرض الحجاب فتغطي وجهها، وإذا لم يكن بحضرتها أجنبي عنها كشفته وجوبًا حال إحرامها، وهذا واضح الدلالة بحمد الله على وجوب الحجاب على جميع نساء المؤمنين‏.‏

والقول في عمومه كما تقدم في تفسير آية الأحزاب ‏[‏35‏]‏، ويؤيد عمومه الحديث بعده ‏.‏

2ـ عن أسماء بنت أبي بكر ـ رضي الله عنها ـ قالت‏:‏ كنا نغطي وجوهنا من الرجال وكنا نمتشط قبل ذلك في الإحرام ‏.‏

رواه ابن خزيمة، والحاكم، وقال‏:‏ حديث صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي‏.‏

3ـ عن أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت‏:‏ يرحم الله نساء المهاجرات الأول، لما نزلت‏:‏ ‏{‏وليضربن بخمرهن على جيوبهن‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 31‏]‏‏.‏ شققن مروطهن، فاخـتمرن بها‏.‏

رواه البخاري، وأبو داود، وابن جرير في التفسير، والحاكم، والبيهقي، وغيرهم‏.‏

قال الحافظ ابن حجر ـ رحمه الله تعالى ـ في ‏[‏فتح الباري‏:‏ 8/490‏]‏ ‏:‏ ‏(‏قوله‏:‏ فاختمرن أي‏:‏ غطين وجوههن‏)‏ انتهى ‏.‏

وقال شيخنا محمد الأمين رحمه الله تعالى في ‏[‏أضواء البيان‏:‏ 6/ 594ـ595‏]‏‏:‏ ‏(‏وهذا الحديث الصحيح صريح في أن النساء الصحابيات المذكورات فيه فهمن أن معنى قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وليضربن بخمرهن على جيوبهن‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 31‏]‏‏.‏ يقتضي ستر وجوههن، وأنهن شققن أزرهن، فاختمرن أي سترن وجوههن بها امتثالًا لأمر الله في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وليضربن بخمرهن على جيوبهن‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 31‏]‏‏.‏ المقتضي ستر وجوههن، وبهذا يتحقق المنصف‏:‏ أن احتجاب المرأة عن الرجال وسترها وجهها عنهم ثابت في السنة الصحيحة المفسرة لكتاب الله تعالى، وقد أثنت عائشة ـ رضي الله عنها ـ على تلك النساء بمسارعتهن لامتثال أوامر الله في كتابه، ومعلوم أنهن ما فهمن ستر الوجوه من قوله‏:‏ ‏{‏وليضربن بخمرهن على جيوبهن‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 31‏]‏‏.‏ إلا من النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ لأنه موجود وهن يسألنه عن كل ما أشكل عليهن في دينهن، والله ـ جل وعلا ـ يقول‏:‏ ‏{‏وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم‏}‏ فلا يمكن أن يفسرنها من تلقاء أنفسهن، وقال ابن حجر في فتح الباري‏:‏ ولابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عثمان بن خيثم عن صفية ما يوضح ذلك، ولفظه‏:‏ ‏(‏ذكرنا عند عائشة نساء قريش وفضلهن، فقالت‏:‏ إن نساء قريش لفضلاء، ولكني والله ما رأيت أفضل من نساء الأنصار، أشد تصديقًا بكتاب الله ولا إيمانًا بالتنـزيل، لقد أنزلت سورة النور‏:‏ ‏{‏وليضربن بخمرهن على جيوبهن‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 31‏]‏‏.‏ فانقلب رجالهن إليهن يتلون عليهن ما أنزل فيها، ما منهن امرأة إلا قامت إلى مرطها، فأصبحن يصلين الصبح معتجرات كأن على رءوسهن الغربان‏)‏ كما جاء موضحًا في رواية البخاري المذكورة آنفًا، فترى عائشة ـ رضي الله عنها ـ مع علمها وفهمها وتقاها، أثنت عليهن هذا الثناء العظيم، وصرحت بأنها ما رأت أشد منهن تصديقًا بكتاب الله، ولا إيمانًا بالتنزيل، وهو دليل واضح على أن فهمهن لزوم ستر الوجوه من قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وليضربن بخمرهن على جيوبهن‏}‏ ‏[‏النور‏:‏ 31‏]‏‏.‏ من تصديقهن بكتاب الله وإيمانهن بتنـزيله، وهو صريح في أن احتجاب النساء عن الرجال وسترهن وجوههن تصديق بكتاب الله وإيمان يتنزيله كما ترى، فالعجب كل العجب ممن يدّعي من المنتسبين للعلم أنه لم يرد في الكتاب ولا السنة، ما يدل على ستر المرأة وجهها عن الأجانب، مع أن الصحابيات فعلن ذلك ممتثلات أمر الله في كتابه إيمانًا بتنزيله، ومعنى هذا ثابت في الصحيح كما تقدّم عن البخاري، وهذا من أعظم الأدلة وأصرحها في لزوم الحجاب لجميع نساء المسلمين كما ترى‏)‏ انتهى ‏.‏

4ـ حديث عائشة رضي الله عنها في قصة الإفك، وفيه‏:‏ وكان ـ صفوان ـ يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني، فَخَمَّرت وجهي عنه بجلبابي‏.‏ متفق على صحته ‏.‏

وقد تقدم في تفسير ‏[‏آية الأحزاب‏:‏ 53‏]‏ أن فرض الحجاب لأمهات المؤمنين وعموم نساء المؤمنين‏.‏

5ـ وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ حديث قصتها مع عمها من الرضاعة ـ وهو أفلح أخو أبي القعيس ـ لما جاء يستأذن عليها بعد نزول الحجاب، فلم تأذن له حتى أذن له النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ؛ لأنه عمها من الرضاعة‏.‏ متفق على صحته ‏.‏

قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى في ‏[‏فتح الباري‏:‏ 9/152‏]‏ ‏:‏ ‏(‏‏(‏وفيه وجوب احتجاب المرأة من الرجال الأجانب‏)‏‏)‏ انتهى ‏.‏

وهذا اختيار من الحافظ في عموم الحجاب، وهو الحق ‏.‏

6ـ وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت‏:‏ كن نساء المؤمنات يشهدن مع رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ صلاة الفجر متلفعات بمروطهن، ثم ينقلبن إلى بيوتهن حين يقضين الصلاة لا يعرفهن أحد من الغلس‏)‏‏)‏ ‏.‏ متفق على صحته ‏.‏

ووجه الدلالة من هذا الحديث ظاهرة، وهو أن المرأة لا يجوز لها الخروج من بيتها إلا متحجبة بجلبابها الساتر لجميع بدنها، وأن هذا هو عمل نساء المؤمنين في عصر النبي ‏(‏ ‏.‏

8ـ عن ابن عمر ـ رضي الله عنهما ـ قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏من جرَّ ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة‏)‏ فقالت أم سلمة‏:‏ فكيف يصنع النساء بذيولهن‏؟‏ قال‏:‏ ‏(‏يرخين شبرًا‏)‏ فقالت‏:‏ إذًا تنكشف أقدامهن، قال‏:‏ ‏(‏يرخينه ذراعًا لا يزدن عليه‏)‏ رواه أحمد وأصحاب السنن وغيرهم، وقال الترمذي‏:‏ حديث حسن صحيح‏.‏

والاستدلال من هذا الحديث بأمرين‏:‏

الأول‏:‏ أن المرأة كلها عورة في حق الأجنبي عنها، بدليل أمره ـ صلى الله عليه وسلم ـ بستر القدمين، واستثناء النساء من تحريم جر الثوب والجلباب لهذا الغرض المهم‏.‏

الثاني ‏:‏ دلالته على وجوب الحجاب لجميع البدن من باب قياس الأولى، فالوجه مثلًا أعظم فتنة من القدمين، فستره أوجب من ستر القدمين، وحكمة الله العلم الخبير تأبى الأمر بستر الأدنى وكشف ما هو أشد فتنة ‏.‏

9ـ عن ابن مسعود ‏(‏قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ‏:‏ ‏(‏المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها‏)‏ رواه الترمذي، وابن حبان، والطبراني في الكبير ‏.‏

ووجه الدلالة منه ‏:‏ أن المرأة إذا كانت عورة وجب ستر كل ما يصدق عليه اسم العورة وتغطيته ‏.‏

وفي رواية أبي طالب عن الإمام أحمد ‏:‏ ‏(‏ظفر المرأة عورة، فإذا خرجت من بيتها لا تبن منها شيئًا ولا خُفَّها‏)‏‏.‏

وعنه أيضًا‏:‏ ‏(‏كل شيء منها عورة حتى ظفرها‏)‏ ذكرها شيخ الإسلام ابن تيمية وقال‏:‏ ‏(‏وهو قول مالك‏)‏ انتهى ‏.‏

10ـ وعن عقبة بن عامر الجهني ‏(‏أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال‏:‏ ‏(‏إياكم والدخول على النساء‏)‏، فقال رجل من الأنصار‏:‏ يا رسول الله‏!‏ أفرأيت الحمو‏؟‏ قال‏:‏

‏(‏الحمو الموت‏)‏ متفق على صحته ‏.‏

فهذا الحديث دال على فرض الحجاب، لأن النبي ‏(‏حذَّر من الدخول على النساء، وشَـبَّه‏)‏ قريب الزوج بالموت، وهذه عبارة بالغة الشدة في التحذير، وإذا كان الرجال ممنوعين من الدخول على النساء وممنوعين من الخلوة بهن بطريق الأولى، كما ثبت بأحاديث أخر، صار سؤالهن متاعًا لا يكون إلا من وراء حجاب، ومَن دخل عليهن فقد خرق الحجاب، وهذا أمرٌ عام في حق جميع النساء، فصار كقوله تعالى‏:‏ ‏{‏فاسألوهن من وراء حجاب‏}‏ ‏[‏الأحزاب‏:‏ 53‏]‏‏.‏ عامًا في جميع النساء ‏.‏

11ـ أحاديث الرخصة للخاطب أن ينظر إلى مخطوبته، وهي كثيرة، رواها جماعة من الصحابة ـ رضي الله عنهم ـ منهم‏:‏ أبوهريرة، وجابر، والمغيرة، ومحمد بن سلمة، وأبو حميد رضي الله عن الجميع ‏.‏

ونكتفي بحديث جابر ـ رضي الله عنه ـ قال‏:‏ قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ‏:‏ ‏(‏إذا خطب أحدكم المرأة، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل‏)‏ فخطبت جارية فكنت أتخبّأ لها حتى رأيت منها ما دعاني إلى نكاحها وتزوجتها‏.‏ رواه أحمد، وأبو داود، والحاكم وقال‏:‏ صحيح على شرط مسلم ‏.‏

ودلالة هذه السنة ظاهرة من وجوه ‏:‏

1ـ أن الأصل هو تستر النساء واحتجابهن عن الرجال ‏.‏

2ـ الرخصة للخاطب برؤية المخطوبة دليل على وجود العزيمة وهو الحجاب، ولو كن سافرات الوجوه لما كانت الرخصة ‏.‏

3ـ تكلف الخاطب جابر ‏(‏بالاختباء لها، لينظر منها ما يدعوه إلى نكاحها، ولو كن سافرات الوجوه خراجات ولاجات، لما احتاج إلى الاختباء لرؤية المخطوبة، والله أعلم ‏.‏

قال الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى في ‏[‏تحقيق المسند‏:‏ 14/ 236‏]‏ عند حديث أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ في رؤية المخطوبة ‏:‏ ‏(‏‏(‏ وهذا الحديث - وما جاء في معنى رؤية الرجل لمن أراد خطبتها - مما يلعب به الفجار الملاحدة من أهل عصرنا، عبيد أوربة، وعبيد النساء، وعبيد الشهوات، يحتجون به في غير موضع الحجة، ويخرجون به عن المعنى الإسلامي الصحيح‏:‏ أن ينظر الرجل نظرة عابرة غير متقصية، فيذهب هؤلاء الكفرة الفجرة إلى جواز الرؤية الكاملة المتقصية، بل زادوا إلى رؤية ما لا يجوز رؤيته من المرأة، بل انحدروا إلى الخلوة المحرمة، بل إلى المخادنة والمعاشرة، لا يرون بذلك بأسًا، قبحهم الله، وقبح نساءهم ومن يرضى بهذا منهم، وأشدّ إثمًا في ذلك من ينتسبون إلى الدين، وهو منهم براء، عافانا الله، وهدانا إلى الصراط المستقيم ‏)‏‏)‏ انتهى‏.‏